دخلنا عصرا جعلنا نتازلنا فيه عن موروثاتنا الشعبية الغنية بجميع نواحي الحياة، فما علينا الا الاهتمام بالثقافة والموروثات الشعبية، خصوصا التراث العمراني في الكويت او المدن الخليجية، لنواجه ثورة الصور البصرية التي تنتجها نظم الاتصالات العالمية في وقتنا المعاصر، فإذا كنا نرغب في المحافظة على لغتنا العمرانية كي لا تندثر وتفنى، فيجب ان نخلق القدرة على المحافظة، والبحث عن التراث وتاريخه، خصوصا البناء القديم مع ادخال الجديد المتطور.التقينا البناء والاستاذ في بناء البيوت القديمة، الذي عمل في الطين والصخر والجص اكثر من عشرين عاما، مبارك حسين الذي قال: بنيت المقصب القديم المكان الخاص لذبح الاغنام والابل والابقار، وبنيت منارة مسجد الصحاف عام 1947 في حي الفرج خلف البورصة حاليا، وبنيت مسجد شعبان في الحي الشرقي عام 1948 وكذلك بنيت حوالي 15 ملقف هواء في البيوت وعشرات المنازل في الشرق والقبلة.«بادكير» كلمة فارسيةوتحدث ابو حسين عن ملقف الهواء او ما يسمى «باقدير» او البادكَير فهي كلمة فارسية قديمة مركبة وتعني: باد بمعنى هواء وكير او قير بمعنى وقف اي «ماسك الهواء»، وفي اللغة العربية تعني «ملقف الهواء» انه عبارة عن برج بارز في اسطح المنازل له عدة ابواب لا تزيد عن اربعة يصطدم بها الهواء فيدخل الى الغرفة فيلطفها وينعش جوها ويلطف حرارتها في فصل الصيف، ويعتبر البادكير من الرموز البارزة التي لعبت دورا في العمارة الخليجية والكويتية خاصة، وهذا البرج (بادكير) انتقل عبر الحضارات وتطور وتحسن واستخدم بطرق مختلفة كليا، ولكن ملقف الهواء هذا لم يخرج عن قاعدته، وكل ما نقوله انه فكرة قديمة موجودة منذ اربعة آلاف عام.والخليجيون نقلوه اثناء هجراتهم وتنقلاتهم، وملقف الهواء اصبح في القديم احد مفردات العمارة التقليدية الاساسية في الكويت، واتصل هذا الملقف مع كل مراحل العمران في التاريخ الكويتي العمراني من البناء الطيني الى الصخور البحرية الى الطابوق الى الفلل والقصور كلها يلزمها بادكير على اسطح المنازل طوال هذه السنوات.مسميات أبراج الهواءاضاف مبارك حسين: اللفظ هو فارسي، ولكنه لم يستمر كما هو في الأصل، بل مر عبر تحوير لفظي محلي في كل منطقة، ففي قطر يسمى «البادجير»، وفي شرق المملكة العربية السعودية «المنطقة الشرقية» اصبح الاسم «البادجين» وتحول إلى «ملقف الهواء»، وفي الامارات يسمى «البارجيل»، وفي البحرين يسمى «الكشتيل»، وعندنا في الكويت «بادكير».نفعية.. جماليةوتحدث أبو حسين عن جمالية البادكير، وأخذ في هذه الأيام طابعاً مميزاً في البناء الحديث، وهو الذوق الرفيع الذي يحتل نفوس كل من يشاهده، ويذكره بالقدم، وما زال متواصلا مع الناس، وكثير من الكويتيين يرون ان الصفات النفعية لا قيمة لها بوجود الوسائل المتقدمة في التكييف، ولكن تجده بكثرة في مدينة دبي، فكثير من المساكن فيها من هذه الابراج الملقفة للهواء، ولكنها للجمال فقط، وبعض البيوت الخليجية تستخدم البادكير في فصل الربيع وفي نهاية الصيف.ومن الناحية الجمالية، قال أبو حسين: الباقدير مقسم إلى أربع قنوات هوائية (فتحات) على شكل حرف X، مفتوحة من الأعلى، وارتفاعه يزيد على 15 متراً عن الأرض، والهدف من هذا الارتفاع التقاط أي مصدر للهواء.واوضح العم مبارك ان في الكويت عندنا يتكون التجويف الداخلي للبادكير من حائطين متقاطعين يوازيان الحوائط الخارجية للبرج، وهناك نوع يتكون من ثلاثة حوائط، وايضاً عندنا في الكويت نموذج كنا قد بنيناه في الاربعينات يكون منفذاً للهواء الساخن، تعمل هذه الفتحة كمدخنة للتخلص من الدخان في مجالس القهوة والشاي والقدو مع وجود الدوة (منقلة) أو كما يسمى «الوجاق»، وهذه الفتحات العلوية للبرج تنتهي بأبواب خشبية تتيح للمستخدم التحكم في البرج.وقال: غالباً ما تكون هذه الابراج على الغرف المهمة، مثل غرفة الديوانية، وغرفة النوم، وغرفة رب الأسرة، وحتى الغرف العلوية عليها هذا البرج.وأكرر ان في وقتنا الحاضر أصبح للتزيين وزخرفاً من الخارج، ويوجد أربعة أبراج على البيت الواحد في الزوايا، والبادكير التصق بحياة مستخدميه يومياً واصبح رمزاً تراثياً ثقافياً، وعلى ابناء هذا الجيل ان يســــــتمروا بالحفـــــــاظ على التراث وبناء كل ما هو على شـــــــكل قديـــم مع الجديد، مــــثل الدجـــــة أو الدَّكَّة، وهي مصبطة بارزة ملاصـــــــقة لجدار الواجهة الامامية للبيت، وان تكون هذه الدجة من الطين أو الاسمنت حتى لا نغير معالمها.واطلب من الشباب ان يهتـــــموا بالدهــــــــريز، ذلك الممر الذي يربط باب الحوش وساحة المنزل، وأن يقام شق لصرف مياه الأمطار.وقال: لماذا لا نبني العريش من الباسجيل والجندل والبواري (المنقور) للاستفادة منه في فصل الصيف لإنجاز بعض أعمال البيت؟ ولماذا لا نضع مزلاج الخشب الذي يثبت الباب الخارجي من الداخل؟ ولماذا نخفي معالمنا القديمة؟ فالمحافظة على المعالم السكنية القديمة واجب وطني.
منقول من القبس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق